Duration 12:31

الدرس2 شرح حديث ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك وابن عبدك للشيخ أبوعامر حمود الواجع Canada

Published 23 Mar 2020

*لم يكن دين الإسلام يوما دين الحزن والشقاء ، ولا دين التعاسة والويلات والدموع ، وكيف يكون كذلك وقد أنزل الله عز وجل على نبيه عليه الصلاة والسلام من أول ما نزل : {طه . مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى . إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} طه/1-3 . يقول الألوسي رحمه الله :الشقاء في كلامهم [ يعني المفسرين ] يحتمل أن يكون بمعناه الحقيقي وهو ضد السعادة. ويقول ابن القيم رحمه الله :منزلة الحزن ، ليست من المنازل المطلوبة ، ولا المأمور بنزولها ، وإن كان لا بد للسالك من نزولها ، ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيا عنه ، أو منفيا : فالمنهي عنه كقوله تعالى : {ولا تهنوا ولا تحزنوا} [آل عمران: 139] ، وقوله :{ولا تحزن عليهم} [الحجر: 88] في غير موضع ، وقوله: {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40]، والمنفي كقوله : {فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}[البقرة: 38] . وسر ذلك أن الحزن مُوَقِّفٌ غيرُ مُسَيِّرٍ [ أي : يوقف الإنسان عن العمل الصالح] ، ولا مصلحة فيه للقلب ، وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره ، ويوقفه عن سلوكه ، قال الله تعالى : {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا} [المجادلة: 10] ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث ، لأن ذلك يحزنه . فالحزن ليس بمطلوب ، ولا مقصود ، ولا فيه فائدة . وقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) رواه البخاري، وإذا كان القلق يعصف في نفوس الناس في هذه الأزمان، فإن اليقين إذا قويَ والتوكل على الله تبارك وتعالى والرضا بقضائه يخفف عن المسلم وطأته حتى يتلاشى، ولكن هذه الأمور تحتاج إلى رياضة للنفوس وتربية ومجاهدات، وتحتاج إلى صبر ولَربما يطول أوان ذلك حتى تستقيم له النفس، لكنْ من رحمة الله تعالى بنا، لِعلْمه بقِلة صبرنا وضعفنا وعجزنا، فقد شرع لنا حلولاً عاجلة، يظهر أثرها مباشرة، وانظر إلى الحديث الذي معنا كيف يكون سببا لإزالة الهم الحزن وليس فقط إزالة وجلاء، وإنما أبدله مكانه فرحا، وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: (ما أصاب أحداً قطُّ همٌّ و لا حَزَنٌ ، فقال : اللهمَّ إني عبدُك ، و ابنُ عبدِك ، و ابنُ أَمَتِك ، ناصيتي بيدِك ، ماضٍ فيَّ حكمُك ، عدلٌ فيَّ قضاؤُك ، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك ، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك ، أو أنزلتَه في كتابِك ، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك ، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ، ونورَ صدري ، وجلاءَ حُزني ، وذَهابَ همِّي ، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ وحُزْنَه [وحَزَنَه] ، وأبدلَه مكانَه فرجاً[فَرَحاً] قال : فقيل : يا رسولَ اللهِ ألا نتعلَّمُها ؟ فقال بلى ، ينبغي لمن سمعَها أن يتعلَّمَها) صححه الألباني. **فقال: اللَّهُمَّ"، أي: نادى ربَّه قائلًا: يا اللهُ، "إنِّي عبْدُك، وابنُ عبْدِك، وابنُ أَمَتِك" والتعبد معناه التذلّل، وَأَصْلُ الْعُبُودِيَّةِ الْخُضُوعُ وَالذُّلُّ، وَ(التَّعْبِيدُ) التَّذْلِيلُ، ويخلص من هذا أن أصل كلمة التعبد لغة هو الخضوع والذل، ويكون الخضوع والذل بطاعة المعبود والانقياد له مع المحبة، قال ابن القيم في مدارج السالكين عن علاقة المحبة بالتعبد: العبادة تجمع أصلين: غاية الحب بغاية الذل والخضوع، والعرب تقول: طريق معبد أي مذلل، والتعبد التذلل والخضوع، فمن أحببته ولم تكن خاضعا له لم تكن عابدا له، ومن خضعت له بلا محبة لم تكن عابدا له، حتى تكون محبا خاضعا. اهـ وفي هذا الحديث: اعتراف العبد بأنه مخلوق للَّه تعالى، مملوك له، هو وآباؤه وأمهاته، ابتداءً من أبويه المقربين، وانتهاءً إلى آدم وحواء، فالكل مماليك للَّه عز وجل خالقُهم، ومدبّرُ أمورهم، وشؤونِهم، لا غنى لهم عنه طرفة عين، وليس لهم من يلوذون ويعوذون به سواه، وهذا فيه كمال التذلّل والخضوع والاعتراف بالعبودية للَّه تعالى، لأنه لم يكتف بقوله: (إني عبدك) بل زاد فيه (ابن عبدك ابن أمتك) دلالة على التأكيد والمبالغة في التذلّل، والعبودية للَّه تعالى، لأن من ملك رجلاً ليس مثل من ملكه مع أبويه) . وهذا كلُّه اعتِرافٌ بالعُبوديَّةِ للهِ،

Category

Show more

Comments - 0